المغرب يلوح بالقيام بتعديلات في اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة في انتظار انتعاش قطاع السيارات الكهربائية
يُعتبر المغرب البلد الإفريقي الوحيد الذي يرتبط مع الولايات المتحدة باتفاقية التبادل التجاري الحر، وقد أحيى البلدان مؤخرا ذكرى مرور عقدين من الزمن على إبرامها، وسط تقييمات تشير إلى استمرار وجود فارق في الميزان التجاري لصالح واشنطن، في ظل استيراد المغرب السلع الأمريكية أكثر مما يُصدر من منتوجاته نحوها.
وأصبح هذا الفارق يُشكل ما يُشبه نقطة "إزعاج" لوزارة الصناعة والتجارة المغربية، حيث لمّح الوزير رياض مزور في مناسبات عديدة، إلى ضرورة إيجاد حلول من أجل تعديل الكفة أو على الأقل التخفيف من عجز الميزان التجاري للمغرب أمام الولايات المتحدة الناتج عن هذه اتفاقية التبادل التجاري الحر بين الطرفين.
وفي هذا السياق، دعا رياض مزور خلال كلمة أدلى بها في الحفل السنوي لغرفة التجارية الأمريكية بالدار البيضاء يوم الجمعة الماضي، إلى إعادة تقييم اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، بهدف تحقيق توازن تجاري أكثر عدلا بين البلدين.
وقال مزور في هذه الصدد، إن "هذه السنة تصادف الذكرى العشرين لاتفاقية التجارة الحرة بين المغرب والولايات المتحدة، مما يستدعي تقييما معمقا لضمان توازن أمثل في التبادلات التجارية"، مشيرا إلى أن حجم واردات المغرب من الولايات المتحدة لا يزال يفوق صادراته بشكل كبير، رغم تضاعف حجم التجارة بين البلدين بمعدل 2.5 إلى 3 مرات خلال العقدين الأخيرين.
وفي يوليوز الماضي أعرب مزور أيضا، خلال أشغال الدورة الثامنة للجنة المشتركة المكلفة بتتبع اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب، عن رغبة المغرب في الاستفادة أكثر من هذه الاتفاقية لرفع صادراته، وبالأخص من المنتوجات الفلاحية، نحو الأسواق الأمريكية، من أجل التخفيف من العجز التجاري
وقال رياض مزور أنذاك خلال اجتماع اللجنة المشتركة بواشنطن، إن "وصول منتجاتنا الفلاحية إلى السوق الأمريكية يظل دون طموحات المغرب ومؤهلاته في مجال التصدير"، وبالتالي أكد على ضرورة الوصول إلى أسواق لحوم الدواجن المعالجة حراريا، وكذا الفواكه والخضروات.
وتعليقا على وجود إشارات مغربية حول احتمالية إحداث تعديلات في اتفاقية التبادل الحر مع واشنطن، قال الخبير الاقتصادي، محمد جدري إنه "إذا كان هناك تعديل بعض المواد، فالأمر ممكن، لكن في المجمل العام، فإن اتفاقيات التبادل التجاري الحر، هي مرات تكون في صالحنا ومرات تكون ضدنا، لأن هذه هي طبيعة الاتفاقيات".
وأضاف جدري في تصريح لـ"الصحيفة"، بأن الأهم هو "المحافظة على طابع رابح - رابح بين المغرب والشريك الأجنبي، وفي هذه الحالة، يتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية"، مشددا على ضرورة أن تُؤخذ اتفاقيات التبادل الحر بين المغرب ومجموعة من الدول، في مجملها، وبالأخص على المدى المتوسط والمدى البعيد.
وفي هذا الصدد أشار جدري إلى أنه " إلى وقت قريب كانت اتفاقية التبادل الحر تصب في صالح الولايات المتحدة، لأننا نستورد أكثر مما نصدر نحوها، لكن يجب أن لا ننسىى أنه في القادم من السنوات، كل ما يتعلق مثلا بالسيارات الكهربائية التي سيتم تصنيعها في المملكة المغربية بشراكة مع الصين، والتي سيتم تصديرها نحو أمريكا، ستستفيد من الكثير من الحوافز الجمركية، باعتبارها سلعا مغربية"، في ظل هذه الاتفاقية، وهو ما قد يُساهم في تعديل كفة الميزان التجاري أو تقليص العجز.
وفي السياق نفسه، سبق أن قال ياسين عليا، الاستاذ في العلوم الاقتصادية، في حديث مع "الصحيفة"، إن العلاقات المغربية الصينية على المستوى الاقتصادي، شهدت في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا، ولا سميا في قطاع صناعة السيارات الكهربائية، حيث التقت "رغبة مشتركة" بين الصين والمغرب في زيادة الاستثمارات الصينية بالمغرب في هذا القطاع.
وأضاف عليا، بأن الاجراءات التي اتخذتها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على الصادرات الصينية من السيارات الكهربائية، والتي تتمثل في إزالة الاعفاءات الضريبية أو رفع قيمتها، دفع الصين إلى التفكير في الاستثمار في المغرب من أجل الاستفادة من اتفاقيات التبادل الحر التي تجمع الرباط بأوروبا وأمريكا، وبالتالي تجنب الضرائب الأمريكية والأوروبية التي تهدف إلى حصر النمو الصيني المتصاعد في قطاع السيارات الكهربائية.
وتلتقي هذه الرغبة الصينية، وفق الخبير الاقتصادي المذكور، مع رغبة المغرب في التأسيس لصناعة قوية في مجال السيارات الكهربائية، ولا سيما أن هناك توجه في المغرب نحو الطاقات النظيفة، وامتلاكه لاحتياطات هامة في المعادن التي تُستعمل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وبالتالي يرغب في إنشاء صناعة قادرة على الاستجابة للحاجيات المستقبلة، خاصة أن أوروبا تتجه نحو التوقف عن الاعتماد على سيارات الوقود.
ويرى الكثير من الخبراء، أن انتعاش قطاع السيارات الكهربائية في المغرب، سيكون دافعا لرفع الصادرات المغربية نحو الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما سيكون له فائدة كبيرة على الاقتصاد المغربي، وفائدة أيضا على تقليص عجز الميزان التجاري مع واشنطن في السنوات القادمة.